30‏/10‏/2011

بعد في..

قدم قبل اسبوعين كل من الفنان حبيب شحادة حنا وإيهاب دروبي بمشاركة ريمون حداد عرض خاص باسم "بعد في" في مسرح الميدان – حيفا. تتضمن العرض عدة معزوفات تراوحت بين العزف الانفرادي لحبيب على العود ولايهاب على الجيتار والمزيج بين الالتين بالاضافة للموسيقى الالكترونية. كما وتراوحت مواضيع المعزوفات بين جدارية لمحمود درويش وتوزيع مميز لاغنية "Shape of my Heart" لستينج.
الانطباع الاول من العرض هو مدى استمتاع الجمهور بالامسية رغم التجديدات والعوامل الا اعتيادية فيها. يبدو ان التقديم المحترف خلق شعورا بان العزف لغة طليقة هينة وما تبقى لحبيب وايهاب الا ان يقنعا المستمعين "بتلاعبهم" بشتى المجالات: العزف، التوزيع ومبنى المعزوفات. بعد ان فاجأ العازفان في بداية العرض من خلال "التطبيل" على العود والجيتار، انضم اليهما الكيبرود الالكتروني مع ايقاع "ترانس" مضيفا للعرض لون جديد مغاير. يستمر العرض بمفاجأت عدة من خلال عوامل مختلفة – كتلاعب مع الجمهور من خلال تعويدهم على قالب موسيقي غير اعتيادي ومن ثم توظيف الهدوء او "السكتات" بمنتصف المعزوفة لكسر ذات الروتين. اما بالنسبة للون المعزوفات، فالعرض بالنسبة لي يذكر مدى اصطناعة هذه التصنيات ومدى رحابة ما يمكن انتاجه، فتدخل في "الصفقة" عوامل تذكر بموسيقى الكشاف، مرورا بمعزوفة ذات مبنى حر واخرى بمثابة توزيع لاغنية "بوب" واخرى تكاد تكون ارتجالية واخرى مستوحاة من قصيدة لمحمود درويش.
احد المحاور الهامة في هذا العرض هو العلاقة بين الالات، فالمعزوفات المختلفة تقدم نماذاج مختلفة لعلاقات بين آلتي العود والغيتار ومن ثم الكيبورد والمعادلات الالكترونية. ولربما من الجدير ان نقف اولا عند الدمج المميز بين آلتين وتريتين لكل منها خلفية موسيقية مختلفة، حيث اعتدنا ان نسمع كل منها بسياق مختلف وضمن تركيبات موسيقية مختلفة. اما في هذا العرض فتارة يقوم العود بدور "صولو" وترافقه الغيتار وتاره تقلب الادوار ومرات اخرى يقدما حوار متساوي القوة. التماشي بين هذه الانماط ليس مفهوم ضمنا، حيث انه يكسر انفراد هذه الانماط ويقدم عرض يضمها جميعها، كما ويدل على قدرات العازفين على تبني مختلف الأدوار.
اما وبعد ان تخطينا الدمج المميز للعود والغيتار ينضم الكيبورد – والموسيقى الالكترونية وهي لفتة جريئة تكسر "كلاسيكية" صوت الالات الاخرى، وقوانين انتاج الصوت واستيعابه، فالكيبورد والذي يقدم عادة اللحن يتقمس دور الايقاع من خلال الانتاج الالكتروني. وهنا يفرض "نقاش" جديد بين المعادلات الالكترونية والتي تعيدنا الى خطاب "المنيماليزم" اي استعمال القليل من المركبات والتلاعب بهم وذلك مقابل غزرة من الألوان ، المباني والاقاعات الموسيقية بواسطة العود والجيتار.   
في بعض الاحيان كانت هناك مهلة خفيفة قبل استقبال دور الكيبرود وقد ظهر ذلك في معظم المعزوفات وشكّل في بعضها حيز غير مفهوم واحيانا "غير سلس"، وكأن العازفين يتساءلان كيف من الممكن دمج ما "وقع" هذه اللحظة على المسرح مع ما سبقه. وبالتالي، تماشيًا مع اسم العرض "بعد في"، خرجت من الكونسيرت بانتظار استمرارية المشروع الذي شاركنا في انطلاقه الفنانان حبيب وايهاب.


ليست هناك تعليقات: