بعد قراءة "لا قديسون ولا ملائكة"
للكاتب التشيكي ايفان كليما قبل عامين، قرأت الأسبوع روايته "حب وقمامة" ذات الأحداث الأقل درامية والسرد الطويل حول تفاصيل
مأزق الشخصية الرئيسية، والتي لا تقل جمالا عن الرواية الاولى. تتناول الرواية
"حب وقمامة" حياة ذات ماضي حافل بالمآسي التاريخية الكبرى، وحاضر حافل بمآسي
أكثر متعارف عليها: الموت العادي، عمل لا يمت بالبطل بصلة وحب مستحيل. ترافق هذه الحياة
اهتمام الشخصية الرئيسيّة بمصير القمامة ومجازة النظافة، بكتابات وحياة الكاتب كافكا
وبماذا يحل بالروح بعد فناء الجسد. لعل هذه الاهتمامات ما يميز البطل عن الباقي وما
يبقيه "فردا" حيا، الا انه ورغم ماضيه واهتماماته لا ينجح بالفرار من مآسي
العالم الحديث - الخوف من الوحدة، رقابة السلطة، الشعور بالعجز وانهيار العلاقات الشخصية.
بينما يبدو وكأنه خامل ولديه الخيار بالنجو وانقاذ من حوله، كما كانت تقول له حبيبته
- الا ينسى روحها، فهي عصفور يمسكه في يديه، ليس هناك حقا خيارات له لا تكمن خسارة
روحه فيبقى عليه اختيار احدى الوقائع السوداء.
للشخصية الرئيسية دورين في ان واحد، من ناحية
فالرجل ليس سوى متفرج على العالم، ناقد للصحافة والمجتمع الحديث وللشخصيات القلقة من
حوله وفي ذات الاوان فهو متورط بتفكيره وحبه. فبينما في طفولته، قرب غرف الغاز، نجح
من جعل الكتابة تضاهي ضوء الحرية، يفشل في حاضره أن يجد أي بقعة أمان بعيدة عن الواقع
أو أمل بواقع اخر. من حيث الكتابة يقدم الكاتب وصف رومانسي لحياة
الفقراء والمساكين، وفي ذات الاوان يرسم صورة واقعية سوداوية للعالم والمجتمع الحديث.
كما ويسرد الكاتب الأحداث من خلال التلاعب في الزمن والزمانية، فيتقلب الزمن بين الماضي والحاضر بكثرة ويتغير نمط الزمانية المعروض وفقا لمزاج الاحداث. حيث ان هناك الزمانية
المتعارف عليها، والتي عبارة عن حاضر يتراكم دون خلق أي توتر أو قيمة وهناك الزمانية
التاريخية والتي تجعل حاضر البطل نتيجة لتراكمات وقرارات من الماضي، مما يجعل من شخصيته
أسيرة للذكريات ولحياة مضت. وفقا لهايدجر، نتيجة الزمانية الاولى قد تكون الضجر، وأما
نتيجة الزمانية الثانية، وفقا لدوليز فهي الاكتئاب وعدم القدرة على "رسم الوعود"
للمستقبل.
رغم كل هذا، هناك صيرورة علاجيّة في الرواية،
نهاية ما، وداع يكمن استقرار واقعي، تقبل لعدم السعادة. لعل كليما يفشي لنا أنه
علينا أن نرى القمامة وبذات الأوان أن نعي انها لن تفنى، ولعله نجح بتطبيق فكرة
كافكا والتي قدستها الشخصية الرئيسية في الرواية: "نحتاج كتابا ... تجعلنا نحس
بشيء يشبه الانتحار. يجب أن يكون الكتاب مثل فأس تضرب المتجمد في داخلنا".