مصدر الصورة - موقع كنان العظمة |
قبل عام نسخت من صديق كمية هائلة من ملفات الموسيقى لحاسوبي، لعل ذلك الكم الهائل هو ما أدّى إلى "وقوع" ملف فرقة حوار سهوا، مؤجلا لقائي بهم بعام(!)، إلى أن أرسل لي صديق آخر قبل بضعة أسابيع عدد من الروابط لمعزوفات "جامدة"، بينها معزوفات لفرقة "حوار". فاستمعت إليها واستمتعت بها حتى أني أدمنت عليها وقررت محاولة كتابة انطباعاتي حولها.
نبذة قصيرة عن الفرقة: تتألف فرقة حوار السورية من ثلاثة عازفين وهم عازف الكلارينت كنان العظمة، عازف العود عصام رافع وغناء ديما أورشو. كل فرد منهم ذات قدرات وأداء مميّز أظهره في عدة اطر. بالتالي إبداعهم سويا في إطار واحد يقدم نتيجة تفوق مجموع أفراده. لقد قامت فرقة حوار حتى الآن بإصدار ألبومين - الأول في عام 2005 تحت عنوان "حوار" والثاني في عام 2006 بعنوان "تسعة أيام من العزلة".
"رحيل" (11:50 دقيقة)
معزوفة رحيل من تأليف عصام رافع، هي المعزوفة الأولى في ألبوم حوار (2005). تتميّز هذه المعزوفة بمبناها الحر، حيث بإمكاننا تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء. الجزء الأول فيها يختلف عن المألوف - فبينما تبدأ اغلب المعزوفات الغربية بعرض النوتات الأساسية لسلم المعزوفة (tonic; dominant)، وتميل المعزوفات الشرقية لعرض مقام المعزوفة، تستهل رحيل بعرض الآلات المشاركة في المعزوفة - فيتلاعب العود والكلارينيت بإيقاع حرّ وبدور أشبه بالارتجال. وعدا كونهما من عائلتين مختلفتين، الأمر الذي يخلق من لقائهما لحظات مثيرة، ففي بعض الأحيان – تقومان بعزف نفس الدور، مما يسنح لنا الاستماع للتفسيرات والترجمات المختلفة لذات النوتة. ولعلّ أجمل ما في المعزوفة هو صوت ديما ودور صوتها الخالي من الكلمات والذي يمتد على طبقات عديدة على السلم الموسيقي.
أمّا في الجزء الثاني، فتدخلنا المعزوفة لإيقاع ثابت - مصمودي كبير ولحالة من التكرار على الجملة الموسيقية مرات عديدة مع تغيرات طفيفة بينها ومحدودة من حيث الامتداد على السلم الموسيقى، مما يجعلها نوع من النقيض للجزء الأول.
أمّا في الجزء الثاني، فتدخلنا المعزوفة لإيقاع ثابت - مصمودي كبير ولحالة من التكرار على الجملة الموسيقية مرات عديدة مع تغيرات طفيفة بينها ومحدودة من حيث الامتداد على السلم الموسيقى، مما يجعلها نوع من النقيض للجزء الأول.
أما الجزء الثالث، فيتميز بإيقاع سريع والذي يتغير خلال المقطوعة – إلى حدّ يمكن اعتباره مكوّن من جزأين مرتبطين، الأول يحتوي على عناصر الجاز المدمجة بعناصر "شرقية" والثاني يغلب عليه طابع "حرّ" يبرز فيه دور صوت ديما – كصوت آله موسيقية. ولعل هذا من أبرز الأمور في معزوفات الفرقة. ففي بعض اللحظات في هذا الجزء من المعزوفة (الجزء الثالث) يتحوّل الصوت الإنساني وطرق إصداره لتحدي للحدود المألوف لآذاننا بخصوص ادوار الآلات. على سبيل المثال: في الدقيقة العاشرة وعشرة ثواني من المعزوفة - هناك حوار مثير بين طرق انتاج صوت ديما وصوت الكلارينيت، ولعلّ روعة هذه اللحظات هو في كون الصوتان نابعين من النًفًس الإنساني، إلا أن احدهما ينتج من النفخ عبر آلة معدنية، وأما الآخر - صوت ديما - فينبثق من جهاز الصوت الإنساني. فتتراوح المعزوفة بين المعتاد والمألوف لطرق إصدار الصوت لتجارب صوتيه "غريبة" للأذن العادية، حتى انه في بعض الأحيان يصعب على المستمع التمييز بين صوت ديما وصوت الكلارينيت لمدى التشابه بينهما!
بعدما سجلت انطباعاتي هذه عن المقطوعة، دفعني فضولي للبحث عن معلومات عن الفرقة. فقمت بقراءة بعض المقابلات مع اعضائها، فوجدت بعض التطرقات لما لفت انتباهي. ففي لقاء مع كنان العظمة، يؤكد كنان: «الجميل بما نقدمه في فرقة حوار هو التشابه بين صوت ديمة والآلات الموسيقية، ووجود الكلمة سيفقدنا هذا الشيء».
أما ديما اوشو فتقول: «لا أعرف إذا ما كنت سأغني الكلام في فرقة حوار أم لا، ولكن هذا الموضوع جدير بالبحث، وعموماً نحن في هذه الفرقة نعتمد بشكل أساسي على أن يكون صوتي موازياً لكل الآلات، في الشكل التقليدي الذي نعرفه في الغناء المرافق مع الموسيقى يكون الغناء هو الطاغي، ونحن في حوار نحاول أن نجعل دور الصوت يماثل دور الآلات، وإذا فكرنا يوماً بالغناء فسنكون قد خالفنا اتجاهات الفرقة ولذلك لا أعرف متى سأغني في هذا المشروع».
وعندما سألت عما إذا كانت تخاف من جمهورها الذي تعود على صوتها في الغناء المعتاد قالت: «لا، لا أخاف من الأسلوب الذي أستخدمه في فرقة حوار ولا أعتقد أنه يبعدني عن الناس، وجميعهم يرون ما أقدمه في مشاريعي الأخرى سواء في تجربتي مع الأستاذ غزوان زركلي أو في شارات المسلسلات، وحتى في التجارب التي قدمتها خلال "رحلة بصرية" ضمن فعاليات موسيقى على الطريق، ومن هنا فالناس لا يقيمونني فقط من خلال تجربة فرقة حوار»."
***
عندما اسمع معزوفات حوار يخطر ببالي مؤلفين مختلفين وجانرات موسيقية مختلفة منهم معزوفات ربيع أبو خليل لكنني أجد فرقة حوار أكثر جرأة من المعتاد. في العديد من المواقع يتم تصنيف موسيقاها كـ"جاز". ورغم وجود بعض عناصر الجاز فيها، إلا أنني لست واثقة من هذا التصنيف، ليس لوجود صنف ملائم أكثر، لا بل لكونها حرة تفوق حدود الجانر.